Connecté en tant que :
filler@godaddy.com
Connecté en tant que :
filler@godaddy.com
القصيدة:
"نعم،
تحاملوا ..
وقالوا لِمَا القصيد؟
ماَ الشّعر إلاَّ غواية الأشطر والكلمات
والقصيدة هي .. هي؛
فالقصيدة للعين ..
ما يُـلقى الفؤادُ وما لَقِي
والقصيدة للحبِّ ..
ما لم يبقَ مني وما بقي
ومن غير القصيدة،
ما كنتُ ممن ذاق
ودخَل الحب كُنهه وراق
ويدخُل الشوق قلبه ويشتاق
ولكن من يُبصرْ ماتٌخفيه الجٌفون ؟!
فبالألفاظ والكلمات يُبصر القلب
وبالأشطر والمعاني يسمو المقام
والقصيدة وحدها سيدة العشق
سيدة الأرض وسيدة المقام
وليس على هذه الأرض من غير القصيدة ما يمنح الحياة
فالقصيدة لا يعترضها غير الغزاة والجناة والطغاة
والقصيدة وحدها من تشهد على صفاء القلب والوجد
وتشهد على الذاكرة والدّمع والنبض
والقصيدة من تأبى الرياح والأمواج
وتأبى الهزيمة والنّسيان
وتبقى وحدها الريّ والتّراب والهواء
وتبقى الشَّـاهد والمبتغى
وتبقى النشيد ومعراج الأمل..
...!! "
عمر ح الدريسي
أمولي "عبد القادر" الجيلاني. أمولى بغداد
الاستيقاظ مبكرا مرتبط عند للا فضول بباب العتبة الرخامية البيضاء الملساء المائية. فوق عتبة الغرفة الكبيرة. تذكر الله الله. ترغب في ولوج عالم رحب، بلا أسوار، بلا قيود، بلا سُلطة، بلا خوف.. تترقب النور يشرق في بيت الله. يشتد وهجها وينشرح صدرها.. تغني بصوت مرتفع وكأنها حطت بالمدينة المُنَوَّرة. ولمست القبة الخضراء.
- الملائكة حَبُونِي
اعْطَاوْنِي تفاحة
نَمْشِي لرسول الله
تم انْصِيبْ فيه الراحة
تسمع صوتها دادا"الياقوت" تنزل من الصقلبية. تحدثها للا "فضول":
-الشهر القادم زفاف بنت للا "البتول"، يجب أن أسرع في الخياطة، حفلاتها لا تقدر عليها أي امرأة تنظيما وكرما... وتأويلا.
للا "فضول" سعيدة بلقاءات ما بعد الظهيرة. نسوة كثر يترددن على سكنها، يدفعن لها قفطانا ومنصورية وقميصا وسروالا. بجانبها تجلس الصبية "زهور". لعبتها المفضلة هي جمع القطع المتبقية من التفصيل، ولقط عقدة أو أكثر منتثرة وسط باحة الدار. السيدة للا "فضول" حريصة على سرعة الخياطة. بدأت تستعين ببنتها "زهور". أعطتها بعض الخرق البالية، مزقتها قطعا صغيرة قالت لها:
-اصنعي من هذه الخِرَقِ أشكالا كروية. غلفيها على حبة عظم المشمش، وأخرى حلى حبة الكرز. ودوري الحرير ولفيه حتى تختفي الخرقة فوق العظم بحبك مرتق.
كانت هذه الصناعة أول لعبة ملأت بها الصبية فراغها. تعقد في اليوم تسع وتسعين، وغالبا ما كانت تنفلت وتضيع لها اثنتان أو ثلاث أو أكثر. توثقت علاقة الصبية مع الحرير وهي تعقد، تمسكه بحذر تحاذر على أن لن يخلط بعضه بعضا، وأن لن ينفلت رأس الحرير من الجعبة. تبتهج عندما تزورهم جارتهم للا "البتول"، لأنها تحمل لها جعبة حرير فارغة من دكان زوجها الذي يبيع الحرير في حي الحرارين. تفكك الصبية جعبة القصب تشكل عروسا جميلة. تلبسها قميصا ومنصورية، وتقفل فتحات المنصورية بعقدة صغيرة من حبة الكرز، غلفتها بالحرير. ورسمت على وجه قصبة العروس بقطعة من الفحم تقاسيم عينان وأنف وفم.
تقترب للا "فضول" من صبيتها تدللها قائلة:
- انتبهي أيتها الغزالة، لقد أصبحت فاتنة. يجب أن تسرعي في تطريز جهاز عرسك.
تقلب صدرها، تدعك حلمتيها. تسألها. في عجب ودهشة:
- لا حِمٌصَة ولا عَدَسة؟
تخاف الصبية من نمو جسدها، تندس وسط حضن أمها، تضمها إلى صدرها. تحدب عليها تقبلها وتقول لها:
- الله يحفظ لي الغزالة "زهور". أنت قطعة ألماس تلمع.
مند هذا السن المبكر بدأت للا "فضول" تحث ابنتها على الشروع في تهيئ جهازها. لتشعر بالجهد والمكابدة والكياسة. وتعرف أن الحياة الزوجية صعبة قاسية ومخيفة، تشبه اللونين الأحمر والأسود. تبرم الحرير بين أناملها وتمرره وسط كفيها بسرعة آلية. تمدها أمها بقطعة من الكتان السميك الأبيض جاء به ولدها البكر الذي يشتغل ب بلد سنغال. تقطعه. تقول لها بشدة سمك القطع:
- هذه أربع أغشية للوسادة يجب أن تطرزيها بغرز طرز الفاسي وباللون الأحمر. وهذان الغشاءان يطرزان بطرز من النوع الرباطي وبالحرير الأسود.
التطريز في الصباح الباكر يساعد الصبية "زُهُور" على الحساب والتأمل والتأويل. ترتق الحرير فوق الرسوم بدقة تفرح عند ملء قطعة من القماش السميك الأبيض بخطوط هندسية متكررة. تخلق جمالية مدهشة. هذه الصناعة لعبة أصبحت تغريها أكثر من البحث عن العقد. اعتادت أن تستيقظ باكرة مثل والدتها. تظل في البداية مغلولة إلى فراشها تفرك عينيها المقفلتين. بين الفينة والأخرى، تشرع في التطريز. عندما تغفو غفوة خفيفة. تلكز الأم بمرفقها اليمين جنب حلمة يسار الصبية وتقول لها مشجعة:
- يجب أن تسرعي في تطريز جهازك أيتها الغزالة. ابرمي الحرير جيدا. كوني فطنة متيقظة في صنعتك ليقال عنك يديك مثل الذهب.
قبل أن تفرم "زهور" ويسقط الدم فوق سروالها، وترى البقع الحمراء، كانت قد أعدت جهازها من الطرز الفاسي والرباطي. ملأت القماش الأبيض برسومات حمراء للوسائد، ورسومات سوداء للجلستين. وأبدعت من الحرير الأصلي اللامع تشكيلات فنية عجيبة، وهي ما زالت لم تحلم بفارس الأحلام.
يتبع...
لطيفة حليم
3/ تالا:
الاسم موجود في المغرب، وداخل الثقافة والأوساط الأمازيغية المغربية، ويعني الدمع الصافي. كما نجد تسمية تالا عالميا وبالخصوص داخل ثقافة شعوب البحر الأبيض المتوسط. في الشام، اليونان، إيطاليا، المغرب... وها هو العمق التاريخي يوقع حضوره في دلالة التسمية. فما الذي سيحرر شخصية تالا داخل الرواية من كل قوقعة ومن كل محدودية تبهت قيمتها ودورها الحياتي؟
تالا، هي شخصية داخل رواية (بحيرة العشق اللازوردي). وتحضر شخصيات أنثوية أخرى. لكن شخصية تالا متميزة بما لا نجده عند الأخريات، وبما يجعلها تتقاطع مع ليليت ومع ديلار، الروح والتاريخ والثقافة والتمرد على الدونية التي تعيشها الأنثى عموما.
تالا، امرأة أمازيغية تعيش بالحب والفطرة، بالغنى والكرامة، كما باليتم والحرمان. مرآة مائية كسرتها خشونة البصمة الذكورية فتحولت إلى شلال عاصف بهديرٍ مطهِّرٍ لها من كل احتقار لرفعة تالا، لرفعة المرأة عموما. فمَن يحمي تالا داخل كرامتها وعزتها؟ الثقافة؟ اللغة؟ المجال؟ الانتماء السوسيو ثقافي؟ لعله هذا التركيب الكيميائي المعيش بأكمله.
ويرتبط حضور تالا بحضور شخصية أخرى رئيسية في الرواية، آمنت بالتحرر وبالتغيير. شخصية مارست السياسة وحوكمت من طرف نظام مرحلة مستبد وقامع للحريات. إنها شخصية الحسين باصليح التي حُكِمت بالإعدام، وبقي الحكم معلقا في التنفيذ ثم تحول إلى مؤبد، ثم مع التوظيف السياسي لكل مرحلة تحوَّل إلى مؤقت حتى جاء العفو العام الذي يلفظ الكائن من جبروت السجن وأحكامه إعداماته الممكنة. ربما وجد الحسين باصليح نفسَه وقد أُعدِمت رغم بقائها على قيد الحياة. ربما إمكانيات العيش وانتماءاتها إلى جانب فرادة شخصيته وفلسفتها جعلت التميز داخل الرواية، فأصبحنا أمام شخصية ترفض المؤسسات، ولها حساسية مفرطة ضد كل ما هو مؤسساتي بحكم أن المؤسساتي هو الذي أرهبها ودمّرها بالاعتقال وإصدار الأحكام في درجاتها القصوى: الإعدام!
فماذا ستعكس خصوصية شخصية الحسين باصليح كأثر على شخصية تالا؟ وهل شخصية تالا تابعة لأثر الحسين؟
الجواب هو لا طبعا. لكن الحقيقة لا تكتمل في العيش إلا باحتكاكها وتفاعلها مع حقائق وعناصر أخرى تشكل الطبيعة الوجود والتاريخ والاجتماع.
يحضر هنا النسق الجدلي النقيض لفلسفة عيش الحسين وتالا، وطبيعة علاقتهما الجامعة. علاقة حب وتعلق خارج الإطار المؤسساتي الرسمي. علاقة استقلالية الشخصية وقوتها وتأثيرها المجتمعي. علاقة قوة الشخصية وجرأتها وإيجابية قيمها وعدالتها في العلاقات. علاقة شجاعة مميزة لكل واحد منهما لا تحضر إلا مع شخصيات تاريخية بصمت الوجود البشري. علاقة اغتراب داخلي كسر النفسية في محطات سابقة فما زادها إلا قوة هدير وصبيبٍ كسدٍّ منفجر على يابسة الطريق والوجود. علاقة عاشقين يحترمها المحيط ويقدر وفاءهما لها وجمالية قصتهما.
فما الذي يفتقده الآخر ليعوّضه بهذا الإعجاب الملقى على شخصية النموذج المقابل له؟ ما الذي يميز شخصية تالا المرأة؟ وما الذي يجعلها تتقاطع مع ليليت ومع ديلار؟ ليليت المرحلة البدائية، وديلار المنتمية لمجتمع كندي حداثي مهجن من هجرات وإثنيات وثقافات ولغات؟ وهل يمكن أن تكون كندا موطن التحول الإنساني العالمي ثقافيا وعلاقاتيا بين الرجل والمرأة؟ سؤال مثالي يتعلق برجاء وحلم وشرفة إطلالة شخصية ديلار طبعا. ونحن هنا مع تالا.
4/ صباح:
في رواية أقفاص، والتي تناولت قيمة الحرية بتحليلاتها المتشعبة فلسفيا وحياتيا، تحضر أسماء نسائية كثيرة، ونستحضر منها ثلاثة أسماء: نادية ـ وفاء ـ صباح.
وقد يطرح التساؤل حول سبب اختيار صباح من داخل هذا المتن دون الأخريات. وكم من جواب سيتولد مع عملية كل قراءة وكل تلقٍّ. لكن التعرف على شخصية صباح سيساعد على فهم كنه هذا الاختيار، وهذا الانتماء لزمرة أسماء شكلت خطا تصاعديا في تاريخ تحرر المرأة. ربما يذوب الزمن الحاضر والماضي والآتي، لينصهر كله في لحظة الفكرة والمعنى، والمطلب والرغبة والرؤية.
صباح فنانة وممثلة مسرحية. من وصفها في لباسها، في وقوفها حافية القدمين فوق خشبة المسرح، في صرختها باسمها كلما اعتلت خشبة جديدة، وركحا جديدا، في نوع العلاقة التي جمعت تجربتها مع هذا المناضل الباحث عن حرية لم يجدها، زئبقية منفلتة من الإمساك في كل مرحلة، في نوع الظهور والتجلي ثم الغياب السلس بدون اجتراح، كأن صباح هي الأيقونة المسرحية والفنية التي ترمز لهذه الحرية، في كل هذا وذاك وما لم تمثله صباح بعد، وما لم يبُح به عمران بن يوسف خلال الحكي والسرد، ولم يجلّه الكاتب بتفاصيل أو خيوط في سيرورة الكتابة وصيرورتها، تبقى صباح ذلك العطش المشتعل رغبة في الحرية، ذلك الشلال المتدفق صبيبا بهديره وبغدير أنفاسه الجارية، ذلك الظمأ المتشكل عند الآخر المشتاق للحرية وللحياة وللفن وسعادة العيش.
ربما تغبطها النساء الأخريات في كونهن في حاجة إلى مثل هذه حياة، ومثل هذه صباح. ماذا لو سألنا كلا من ليليت، ديلار، تالا وغيرهن؟
5/ ماريا:
ربما سيحق لنا أن نعود من جديد لنتفاعل مع موضوع كل اسم داخل سياقات ثقافية ومجتمعية وبالخصوص مع صباح وموقعها كفنانة، ودرجات الحرية التي تنعم بها. ربما سنناقش إطار هذه الحرية وتركيبية عناصره لنرى إن كانت حرية مصنوعة ومصوغة بمقاسٍ تتحرك داخله كطائر يغني ويرفرف دون أن يرى أو يصطدم بإطار القفص الذي يحتويه، دون أن يرى أن زرقة السماء وسعة الفضاء الخارجي هما خارج لعبته وقدراته وممكناته أو حقوقه. لعله خطاب متعمق يجب الغوص فيه، ولعلها نسبية حرية تفرض نفسها كواقع لا يرتفع. فماذا سيكون عليه الأمر مع الأخريات؟ ومع ماريا؟ هذه الشخصية الخامسة في التحليل والمقارنة؟ لنتعرف عليها ونجعل الروابط المنطقية والموضوعية الممكنة ما أمكن.
ماريا!
من بطلات رواية “الساعاتي”، الصادرة سنة 2020. تحضر ماريا كامرأة متحررة ذاتيا، تعيش حياتها بما تراه حقا لها. تنتمي إلى أسرة معاصرة، وقد تلقت تربية وتعليما معاصرين كذلك. درست في مؤسسات فرنكوفونية تابعة لنظام التعليم الفرنسي ومراكزه الثقافية والتربوية بالعاصمة الرباط. وكل إنسان يعرف انكسارات وجروحا في حياته فيوقع معها بصمة وجوده وممكناته المعلقة. لكن ماريا انتمت لعالم قد يبدو حِكرا على الرجال في مجتمعاتنا العربية الإسلامية أو الإفريقية. عمل مخابرات فسيح لا تبدُو له حدود رادعة. عمل مخابرات يحتاج إلى قيمه الخاصة وإنسانيته الخاصة كذلك.
فما الذي كانت عليه ماريا داخله حتى تضيء درب ليليت في عصرنا الحالي؟ وما الذي يجعلها أداة مستعملة داخل نسق نظام استعلاماتي أمني وثقافي مجتمعي ذكوري في عقليته وتشريعاته وتحكماته؟
إن كل جواب سيكون صعبا نظرا لصعوبة الواقع وصعوبة تغييره بالمراد من مساواة وكرامة وتحرر حقيقي فعلي. هذا يعني أن الحياة الشخصية وتصرفاتها لا تكفي لكي نتكلم عن حرية وعن كرامة وعن ثقافة تحرر. وهذا سيكون سياق الرجل والمرأة في آن. فلا بد لنا أن نميز بين دوائر عيش وحقوق وتحكمات فردية وأسرية وقبَلية ودينية وحزبية ومذهبية ومؤسسات ثقافية ومجتمعية. خلفيات متحكمة بنظرة وتصور محدد وموجه للمرأة ووضعيتها وتصرفاتها وحدود حرياتها الممكنة. إن دائرة العيش والإمكانيات والوسط السوسيوتربوي والثقافي، هي أمور تساعد الإنسان في تحقيق وعيش مبتغيات عدة. فلو لم تكن ماريا ابنة العاصمة الرباط، ابنة الأسرة الميسورة والمتحررة، ابنة الوسط التعليمي الفرنكفوني والأوروبي داخل العاصمة الرباط، ابنة التمرد على قيم الطبقات الميسورة، لما كانت رافضة لمؤسسات ارتباط وزواج. لما آمنت بإقامة صداقات وعلاقات وبتحقيق تحديات وبالتوفر على استقلالية شخصية واقتحام عالم ربما يبدو حكرا على الرجال فقط كما سلف الذكر.
لكنها قد تدري أو لا تدري، كانت داخل إطار مؤسساتي قد يحولها من دور ليليت إلى دور حواء. قد يستغلها بشعارات وقيم سرعان ما ستصبح مجرد دمغجة لخدمة ثوابت متعددة. فهل ستتفق معنا ماريا حول هذا الاستنتاج؟!
في مقابل هذه الشخصيات تحضر النقيضات اللاتي تعكسن الوجه الآخر للثقافة والمجتمع والأدوار. تحضر حواء، وتحضر حياة النفوس في رواية الساعاتي، وتحضر نادية ووفاء في رواية أقفاص، وتحضر سعاد ووفاء غانم وأخريات في رواية بحيرة العشق اللازوردي، كما تحضر أخريات مهمشات وثانويات في المقارنة وليس في الواقع. يعني هذا حضور ثقافة جدلية تعكسها النصوص الروائية المختارة في التحليل، وحضور تصور جامع يبتغي إضاءة شعلة الفكر وسبيل الكتابة وطريق التلقي ومحطات التفاعل. وحضور رسالة ثقافية تحكم عملية الكتابة ومشروعها.
إن الكاتب يقترح تصورا وتحررا، يجتهد في تشكيله مجتمعيا من خلال معيشه الذاتي الفردي ومن خلال اجتهاده الفكري والإبداعي/ ومن خلال قناعاته الفكرية والفلسفية والثقافية. فهل لنا أن نقتصر على دائرة المتون أم إننا يجب أن نسائل واقع الإنسان ومدى تحقيقه وممارسته لمبادئه؟
يحضرني هنا المقروء الشخصي القائم في كتاب حول شخصية إدورد سعيد وتجربته، ويحضر حديث الكاتب تِمُثي بْرِنَن، وكتابه أماكن الفكر، وتحضر عملية التمييز بين اللغة والكلام، وكيف إن الكلام مملوء بالحياة، واللغة مملوءة بالتجريد.
فمتى سيتكلم الكاتب لكي نشعر بملمس شخصيته وممارستِه الحياتية والثقافية؟
ذلك دور التفاعل، وهو القائم الناجح اليوم، وهو الأعمى والبصير، البليد والذكي. ذلك هو دور التواصل ودرجاته المتفلسفة مع رأي هابرماس ريتبع...
الكاتب: حسن إمامي
تشكل السينما فضاء تفاعليا بين الذات و الموضوع المركب في الإخراج السينمائي. و يشكل الوعي طريقا للتجاوب بين الرسالة المرسَلة والمرسَل إليه. هو طريق لتفاعل الحواس في تركيبتها الشخصانية التي تجعل لكل وجبةٍ وصفةً معينة: وكما تجعل لكل لحظة تأثيرا معينا مرغوبا قصديا أو غير مرغوب و لا منتظر.
وتأتي أهمية الفن السابع من تاريخه الطويل الذي خلَّده خلال القرن العشرين ، وهذه البدايات من القرن الواحد والعشرين. تاريخ سجل ابتكارا اختراعا، وسجل اختراقا لعالم الصورة المرئية والمتحركة، والتي دوَّنت لبداية عالم افتراضي يحلم كل متلقٍّ أو سامع به أن يخترقه ويعيش في فضاء أحلامه. كما سجل إقبالا جماهيريا كبيرا تنوع بين القاعة الكبيرة والشاشة الضخمة، وبين الساحات المفتوحة التي تعكس الفرجة بجدار أو إزار.
هكذا انتظم المتفرج بالأعمار والأجناس، وانتظم داخل استهلاك وتذوق منتوج فني إعلامي ورسائل سياسية وثقافية، وتواصل معرفي و اجتماعي إنساني، عبر هذه السينما ـ الفن السبع ـ التي احتلت ترقيما مميزا هو رقم 7 ، ربما رمزَ و يرمز لسقف العطاء في آفاق السماء، وحد الاشتهاء على بوابات الأمل والرجاء.
إنها السينما التي اصبحت مرافقة لكل رسالة فنية وثقافية وسياسية، والتي ترجمت العوالم، فكانت خير سفير ينقلنا للتعرف على المجتمعات و الثقافات ، كما ينقلنا لعيش مغامرات ، ما كنا لنقوم بها لولا تعلقنا بالبطل و السيناريو و الحبكة و الخدعة التقنية في التصوير و العرض ...و كان العشاق بدرجة عملية الإنتاج ... و تطورت المؤسسات الساهرة ن و أصبح مال و اقتصاد مرتبطان بقطاع خاص و مجال خاص ، هو مجال السينما ... بين الشرق و الغرب ، بزغت مدن فنية إنتاجية خاصة بالحياة السينمائية ، بين هوليوود وبوليوود ، كانت الفضاءات و لا زالت قائمة بتمويل ضخم و سياسة كبيرة متعلقة برسالة السينما ، و سينما الرسالة ... هذه الرسالة التي اراد الكل و يريد الكل أن يُحملّها مشروعه و خطابه و مطلوبه و أهدافه ... فكان أن ركب باخرتها الإنتاجية رجل الدين و السياسة والاقتصاد و الرياضة.
كانت هذه المقدمة استئناسا باستحضار أهمية هذا الفن في عوالم الحياة المتشعبة. تنقلنا للحديث الآني عن موضوع شغل بال المتفرج و المتتبع لسلسلة جيمس بوند 007.هذه السلسلة المتتابعة من الأفلام ذات الرسالة الواحدة و المرموزة والمعقدة في آن. بالرجوع إلى التوثيق التاريخي لسلسلة جيمس بوند007، هذه السلسلة المتتابعة من الأفلام ذات الرسالة الواحدة والمرموزة و المعقدة، نجد مثلا في موسوعة ويكيبيديا تناولا تاريخيا لقصة ظهور الشخصية الحقيقية وارتباطها بخدمة العرش البريطاني. كما نجد تاريخ ظهور الكتب المؤلفة حولها، ابتداء من سيرة الجاسوس في خدمة الملكة، و تتبعا للمؤلفات التي وضعت لخدمة الإخراج السينمائي للسلسلة.
هكذا يمثُل أمامنا المنتوج متكاملا كمشروع يدعونا لتتبع حلقاته و استيعاب رسالاته و التمتع بتشويقاته وروعة أدائه الفني. فأي مقاربة ستحصر تناولنا لهذه الأفلام، حتى لا نتيه في بحر المعاني والصور التي تغرق بنا فيها سفينتها؟
من زاوية المتلقي، يجد في البطل نموذجا للقوة والتحدي و الشجاعة والوسامة ومتعة العيش. يجد فيه روح الإخلاص لعرش وحكم وملكة. رسالة حياة متوجة بمغامرات بأجمل لباس، أحسن عطر، وأرفع إقامة وسفر و متعة بين جزر الأحلام، وتقنيات الاستعمال من آخر طراز. ولعلها قدرة السينما السحرية التي غار منها السياسيون في إمكانيتها خلق تماهٍ بين شخصية البطل والمتلقي ـ المتفرج. حيث لا يمكنه أن يبقى بدون تأثر نفسي وغددي ومعنوي حواسي مع الشخصيات الماثلة أمامه نصف واقعية، يقع حلوله واتحاده معها ـ بلغة المتصوفة ـ عبر جانب شخصيته الذي يتكون من الأحلام والخيال والأمنيات و نسبيات التفاعل مع ثوابته وأمنياته المتغيرة المرتبطة بالواقع. وهنا تدخل مكونات في صناعة البطل، وفاعلون اقتصاديون وتجاريون إشهاريون في عرض منتوجهم المتنوع، تمهيدا لترويج سلعهم عبر العالم المتلقي لرسالة الفيلم والمتعلق بشخصية البطل، بدءاً بالرجال والنساء، ثم الأطفال. بدءا بالعالم الغربي نفسه، ثم انتقالا إلى العوالم الأخرى المرتبطة بمواكبة الركب الحضاري الغربي. أكانت من دائرة المرْضي عليهم بالمنظور الإمبريالي الحضاري الغربي، أو من دائرة الخصوم الذين هم كثر، والذين تتم استمالتهم للانتقال و تمني تغيير الاختيار. وتلك لعبة نجح الغرب فيها في الحرب الباردة التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا، وهي حاضرة و مستمرة في سلسلة جيمس بوند السينمائية مع ممثل جديد سيتم استبداله باسم آخر تنتظره وسائل الإعلام بشوق وتحفيز، يخلّد أداء سابقيه: دانييل غريك، بيرسبورسمان، تيمو تيدالتون، روجي مور، جورج لازنبي، سين كونري.
يتبع...
حسن إمامي
بعد الغذاء تابعنا الطريق عبر الممرات المؤدية
للفندق حيث تعرفنا على ميدان التحرير وعلى
بعض معالم القاهرة ثم عدنا للفندق للاستراحة
في انتظار متابعة برنامج الرحلة ليوم
تابعنا برنامج الزيارات يوم 3 فبراير بعد وجبة
الإفطار، حيث نقلتنا الحافلة لزيارة متجر لبيع
العطور التقليدية بالطريقة الموغلة في تاريخ
الحضارة الفرعونية، من أعشاب وورود
وأزهار، للاستعمالات المختلفة الطبي والتعطر
وبقوارير زجاجية غاية في الجمال. شربنا عصير
الكركدي كواجب للضيافة وتمتعنا بشرح مطول
حول الأنواع والاستعمال. بعد ابتياعنا لبعض
العطور تابعنا المسيرة نحو متجر لعرض
اللوحات المرسومة على ورق البردي وتعرفنا
على هذا النبات وطريقة التخزين والتنقيع
والتصنيع. كانت لوات مختلفة الأحجام
والأشكال بشرح وافي وبابتسامة وضيافة كريمة.
كان لديهم تقنيون يكتبون بالحروف الهيروغليفية
حسب الطلب لوحات فنية تؤرخ لمصر
الفرعونية مثل صور لنفرتيتي وأخناتون وتوت
عنخ امون ورموز لهذه الحضارة.
حل الظلام وقد نال منا التعب فتوجهنا لإحدى
المطاعم الشعبية حيث تناولنا وجبة
العشاء، وبعد ذلك توجهنا لمحطة القطار حيث
سنقضي الليلة في مضاجع القطار للتوجه نحو
أسوان وهو حلمي للتمتع بعبق التاريخ، كانت
الرحلة متعبة بسبب طول المسافة حيث دامت
من الثامنة والنصف ليلا إلى العاشرة والنصف
صباحا.
مأثار انتباهي عند انتظار القطار هو قدم المحطة |
وعدم الاهتمام بدورة المياه من حيث التجهيز
ومن حيث النظافة فقد كانت المياه الوسخة
تملأ المكان والروائح الكريهة تزكم الأنوف،كما
شاهدت قطارات مرت أمامنا تذهب لسوهاج
في منتهى القدم وكأنك تشاهد قطارا من أفلام
الويسترن !
كان القطار في طريقه مزعجا بأصوات الفرملة
المتكررة وبرضخ باب المغسلة الصغيرة التي غير
قابلة للغلق وأما المرحاض فحدث ولا حرج !
بدأ بوادر الفجر ولم يغمض لي جفن والفراش
سيء هو كذلك فأزحت ستار النافذة وبدأت
المتعة بمشاهدة محافظات الصعيد الجميلة
ومنازل تحيط بها الأشجار والتخييل
والخضرة،وكأنني أشاهد فيما مصريا قديما !
أخذتن الحافلة للسفينة بأسوان لقضاء ثلاثة أيام |
والتي بعد الغذاء بها سنتوجه لزيارة السد العالي.
كانت السفينة جميلة مجهزة أحسن تجهيز
والغرف واسعة جميلة وكذلك المقهى
والمطعم. بعد استلام الغرف وتناول وجبة
الغذاء المتميز بالتنوع ومهارة الطبخ والتعامل
الطيب ،توجهنا لزيارة السد العالي بأسوان.
Copyright © 2022 hamassates - Tous droits réservés.
المديرة و رئيسة التحرير : الشاعرة والكاتبة لطيفة الغراس